الاثنين، 4 مارس 2013

الإبتسامة...

الإبتسامة... "٢٨"
قصّة قصيرة بقلمي...

انا رجل أعمل بشركة فخمة،
رياضي،
أحب الهدوء،
دائماً أذهب لعملي مشياً،
فالمشي من الأمور التي أتلذذ بها في حياتي،
لأنني لا أحب السرعة،
أحب أن آخذ وقتي بكل شيء،
فالمشي يتيح لي رؤية البشر،
صحيح أن العالم مزدحم،
وإزعاج السيارات وما إلى ذلك،
لكن لايهمّني أمرهم،
فبسبب إختراع السمّاعات،
أستطيع وضعها على أذني،
وأقوم بتشغيل موسيقى كلاسيكية هادئة،
ولايهمني مايهدر بجانبي من إزعاج،
طريقي هو كالمعتاد،
أخرج من شقّتي الأنيقة،
نعم أنيقة فقد إنتقيت كل قطعة بها،
بذوقي الفريد،
ودائماً مايقال لي أن ذوقي صعب جداً،
أخرج لأضغط على زر المصعد،
وانا أنتظره،
أختار نغمة اليوم،
أنزل من المصعد،
ألوّح لحارس المبنى،
"صباح الخير"،
يردّها لي ولكن لا أسمعه فقط أبتسم،
فهو يعلم روتيني الآن،
وإذا أراد شيء،
كان يأتي ويوقفني،
أخرج وأنعطف يميناً،
أمشي مايقارب العشرين دقيقة،
وأصل لمبنى الشركة،
وبهذه العشرين دقيقة،
عيناي تنظر لوجوه البشر،
بعضها غاضبة،
وبعضها حزينة،
سعيدة، متوتّرة ، وغير ذلك الكثير،
وعندما أصل لعملي،
أخلع السمّاعات،
أذهب لمكتبي،
مصبّحاً على كل من أراه أمامي،
عملي بسيط ومهم بنفس الوقت،
فأنا أقوم بحصر أرباح الشركة،
وهذا العمل بطيء لذلك هو ممتاز لي،
فكما ذكرت لا أحب السرعة،
أو العمل اللذي يحمل الكثير من الضغط،
بعدها أعود لمنزلي،
اقرأ كتاب حتى يأتيني النوم،
وعلى هذه الحال يومياً،
انا من يطبخ ولي خادمة،
تأتي كلّ يوم وانا في العمل تقوم بالتنظيفات،
لاشيء مهم هذه حياتي كلّ يوم،
حتى رأيتها.

في يوم من الأيام وانا في طريقي للعمل،
من بين الوجوه رأيتها،
إبتسامه لايمكنني وصفها،
عندما رأيتها جمدت،
وظللت أتأملها،
كانت إبتسامة فتاة في ريعان شبابها،
ذات شعر أسود لامع،
وعينان واسعتان ذات لون عسلي،
وأنف صغير شقي،
ببشرتها البيضاء،
التي تسودها حمرة النضارة،
وشفاه كبيرة تكشف عن أسنان كاللؤلؤ،
تنظر لي وهي تبتسم،
قد أفقدتني عقلي بسمتها،
ولا قدرت على شيء سوى البسمة،
وأنا جامد في مكاني،
فلوّحت لي،
وكالمسحور،
إرتفعت يدي لتلوّح لها،
وفجأة إلتفتت عنّي لرجل كان أمامها،
فبعدها بدأت أستوعب الموقف،
كانت بائعة في الطريق،
تقف أمام طاولة،
لبيع الإكسسوارات المصنّعة يدوياً،
وكلّ إعتقادي أنها قامت بصنعها،
وكانت على الطاولة لوحات بالإسعار،
وانا اتأملها بذهول،
ومن دون شعور إقتربت منها،
لا أعلم لماذا،
لم يكن ذوقي محبّاً للإكسسوارات،
ولكن كنت منجذباً نحوها،
كالقمر تجذبه الأرض ليطوف حولها،
في اليوم وكل يوم،
إقتربت وانا اخلع سمّاعاتي،
ولم أشعر بإنزعاج من الضوضاء،
التي لم أسمعها منذ فترة،
فقط إقتربت حتى كنت أمامها،
نظرت لها بذهول،
وانا أبتسم إبتسامة الغبي،
حتى إذا فرغت من الرجل إلتفتت إلي،
ورأيت بسمتها من جديد،
وددت لو أن الوقت يتوّقف،
فقلت لها بعد مرور عدّة ثوانٍ،
"مرحباً"
هزّت رأسها،
صمت قليلاً،
قلت،
"بكم هذا!؟"،
واضعاً يدي على قطعة لم تهمّني أساساً،
شارت بيدها على اللوحة،
إبتسمت،
أعطيتها ورقة نقدية،
تفوق قيمة القطعة،
وطلبت منها أن تحتفظ بالباقي،
فعندما أردت الذهاب،
غضبت لأنها لم تحدّثني،
سألتها،
"لماذا لا تكلّميني، فهذه وقاحة تعتبر"،
ياه ذهلني مافعلت،
أخرجت دفتر صغير،
ومددته لي،
مكتوب به،
"عذراً لا أسمع ولا أتكلّم،
فأكتب لي ماتريد.."،
شعرت بالذهول منها،
إنصرفت وانا غاضب وخجول من نفسي،
وعدت لبيتي معتذراً من عملي،
وإبتسامتها لم تذهب عن فكري،
وأتى الغد ولم أجدها.

مرّت الأيام ولايزال طيفها ببالي،
حتى أنني تجرأت على تعلّم لغة الإشارة،
وبدأت أتقنها كثيراً،
وبعد مرور بعض من الزمن،
وكأنها لم تتغير وجدتها،
بنفس المكان بنفس الوضع،
بنفس الإبتسامة حتى أنها إزدادت حلاوة،
كأنه من الممكن أن يحدث ذلك،
هذه المرّة إقتربت منها،
من دون خلع سمّاعاتي،
وحدث الحديث بيننا بلغة الإشارة.

مرحباً..
أهلاً..
هل تذكرينني!؟..
نعم، أنت الكريم..*إبتسمت*
*ضحكت* انا أسف لم أقصد أن أكون وقحاً..
لاعليك لم يحدث سوء..
أشكرك..
لاداعي، لكن لما هربت..
لا أعلم فقد شعرت بالخجل من نفسي..
لما!؟..
لأنني لم أتحدّث لغتك..
*تبتسم* والان أنت تتحدّثها، كيف ذلك!؟..
*بخجل* لقد تعلّمتها خلال هذه المدّة..
لماذا!؟..
كي أستطيع أن أتحدّث معك..
ولماذا تريد ذلك!؟..
لأنني وقعت بحب إبتسامتك..
*قلتها بصوتي أيضاً*
*تضحك بخجل كأنني أسمع ضحكتها*
وماذا تريد الآن!؟..
أعلم أن هذا خارج عن المألوف،
ولكن هل تقبلين الزواج منّي،
فأنا أريدك بكل مافيني.. *أشعر برهبه*
*يمر وقت كأنها تتقبّل الصدمة*
*تهز رأسها موافقة بعد وقت بالموافقة*
حقاً!؟.. *أصرخ غير مقتنع*
نعم، فمن أخذ كل ذلك الوقت ليتعلّم لغتي،
فحتماً أنه يحبّني، وسيعاملني أجمل معاملة..

ختام:
"عندما تريدون الوصول لقلب شخص"،
لانتظروا منه أن يتعلّم لغتكم،
ولكن بادروا أنتم بتعلّم لغته،
إخوتي من فقدوا السمع والنطق،
مكانتكم عالية بقلوبنا،
ويجدر بنا جميعاً تعلّم لغتكم الجميلة،
"لغة الإشارة"
فإني أعشقها بكلّ قلبي،
وأعشقكم،
حفظكم الله من كلّ سوء.


فيصل..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق