بجوار البحر... "٢٥"
قصّة قصيرة بقلمي...
يااه..
يالجمال هذا الصباح...
قال ذلك وهو يمشي،
رجل طاعن في السن،
يرتدي معطف أسود،
وبنطال بنفس اللون،
حذاء لامع يميل للرمادي،
قميص أبيض،
وعلى رأسة قبّعه رماديه،
متجانسه مع لون شعره الأبيض،
يأتي ويجلس على المقعد،
اللذي بجانب الطريق،
المقابل للبحر،
الرجل كأنه نقطة سوداء،
على الطريق اللذي يتكوّن من حجارة بيضاء،
يجلس وينظر للبحر،
كان عمود إنارة بجانبة،
وأمامه السياج اللذي يحوف الطريق،
وكذلك للإنارات ذات اللون الأسود،
الموجودة على طول الطريق،
بمسافات متساوية،
كانت أمامه كذلك إنارة،
وبجانبها سلّم أو ليس سلّم،
ولكن عدّة درجات تهبط لرمال الشاطئ،
يجلس الرجل وينظر للأفق،
في هذا الوقت،
لم يكن الشاطئ يعج بالبشر،
لأنه وقت شتاء،
ولكن المارّة يطوفون هذا الطريق،
يمرون بجواره ولاينتبهون عليه،
وهو باقٍ ينظر بعيداً،
يتأمل حياته،
ويعيد حكايتها بنفسه.
ياه ، الجو جميل اليوم،
نعم لقد قلت ذلك،
مابي لم أعد أهتم،
حتى لماذا أقول هذه الكلمات،
"الجو جميل"،
ومالفرق إن لم يكن الجو جميل،
كنت سأجلس هنا،
ولن أفعل شيء،
سوى النظر للأفق،
فعلاً لقد ذهب عمري،
لم يبقى أحد في حياتي،
دفنت والداي،
إخوتي،
زوجتي وحتى بعض من إبنائي،
والباقي منهم لايهتم بي،
فمن يهتم برجل لم يعد له من منفعة،
رجل قد طعن فيه السن،
حتى لم يعد يفيد أي إنسان آخر،
فقط أجلس هنا أنظر للبحر،
ثم أعود لبيتي،
بيت، هه!!
ليس بيتاً وإنما غرفة،
أدفع أجرها من معاش تقاعدي،
لما أحتاج المال،
فليس لي حاجة لذلك،
لاهوايات،
لا أصدقاء لي قد بقوا،
حتى وإن أردت أن أكوّن صداقات جديدة،
لم يعد بي طاقة،
ولم أعد أهتم بذلك كثيراً،
فهذا حالي كلّ يوم،
أجلس على هذا الكرسي،
أنظر للبحر،
أعيد قصّة حياتي لنفسي،
حتى تغيب الشمس وأعود لبيتي،
ثم آتي لهنا في الصباح،
فعلاً لم يعد لحياتي معنى بعد الآن،
فقط إنتظار للموت ببطئ.
وتمر الأيام،
وفي خلال أحد الأيام،
كانت السماء ملبّدة بالغيوم،
وكان الطريق خالياً من المارّة،
وفي نفس المكان كانت النقطة موجودة،
ولكن هذه المرة كانت أكبر،
بسبب المظلّة التي أتى بها الرجل،
وذلك ليس غريباً فالسماء تنذر بالمطر،
ولكن الغريب أن يأتي لمكانه،
رغم أن المطر سيهبط في أي لحظة،
ولكن ذلك ليس غريباً عليه،
فإنه لم يعد يهتم لأي شيء،
ولكن لم يعلم الرجل،
أن هذا اليوم سيكون الأخير.
ياه، يالجمال هذا اليوم،
تباً لازلت أقول هذه الكلمات الغبيّة،
لايهم،
ولكن لماذا الطريق خالٍ،
هل الناس تخاف من المطر،
أمرهم غريب،
في الماضي كنّا نلعب تحت المطر،
نرقص تحت المطر،
نعمل تحت المطر،
نقع بالحب تحت المطر،
نحيا ونموت تحت المطر،
واليوم لايفعلون شيء تحت المطر،
غير الهروب منه،
لايهم،
انا كذلك لم أعد أهوى المطر،
لذلك أحضرت مظلّتي،
فإني أخاف البرد،
سأنتظر كعادتي ثم أعود،
ربما أعود مبكراً اذا كان المطر غزيراً،
هاهو المطر ينهمر،
يالصوته الجميل،
رذاذه المنعش،
ورائحته المُسكرة،
ياه أشعر بالدوّار،
هل عيناي تخونانني،
أم أن هناك أحداً يتجه للبحر،
من المجنون اللذي يفعل ذلك،
في مثل هذا الوقت،
في مثل هذا اليوم،
في مثل هذا الجو،
لأتبعه علّه يريد مساعدة،
ياه الدرجات غير متناسقة،
اكاد اقع،
رمال الشاطئ دخلت بحذائي،
كأنني أمشي في وحل،
يالهي!!
المجنون قد ذهب للبحر،
وكأنه يغرق،
بسرعة بسرعة،
لأساعده.
يقفز الرجل في الماء وبهذه اللحظة،
رأى صبي مايحدث فأتصل بالشرطة،
التي أتت مسرعة مع الإسعاف،
وهم يعتقدون من البلاغ،
ان رجل طاعن في السن يحاول الانتحار،
وعندما وصلوا وجدوا فتاة،
تتنفّس وتكح فيخرج الماء،
كشخص غرق للتو،
ووجدوا الرجل بجانبها ممدد،
يتنفّس بصعوبة،
ويسألوه" ماحدث مابك!؟"،
يجيب وهو يلفظ أنفاسه،
"كانت ستغرق فأنقذتها،
واعتقد أن جسدي لم يحتمل البرد،
ولا الحركة المسرفة التي قمت بها،
*يضحك بصعوبة*،
إنه يومٌ جميل،
ما أغباني،
دائماً أقولها بسبب أو بدونه،
ولكن اليوم فعلاً،
ياله من يوم جميل"،
أغمض الرجل عينيه،
وتوّقف عن التنفّس،
حاول المسعفين إنعاشه،
لكن لا يوجد أمل،
فارق الحياة.
بعد سنين،
في أحد المقابر،
وقفت إمرأة أمام قبر،
وهي تقول هذه الكلمات،
"لم أنساك يوماً،
لقد وهبت حياتك في سبيل إنقاذي،
ولم أفكّر منذ يومها بالإنتحار،
إني مدينة لك بحياتي،
رحمك الله"،
ومن بعيد يسمع نداء،
"ماما، مامااا"،
اذا بطفلة ورجل يأتيان،
يضمّان المرأة،
وينظرون للقبر باسمين.
الختام:
أحياناً لانقدّر حياتنا حق تقديرها،
ولكن ذلك لايمنع من أن نجد من يفعل،
رغم أنه من الأفضل لنا،
أن نقدّر نحن حياتنا،
قبل إنتظار أن تكون ذات معنى لأحدهم،
ولكن جلّ ما أريد قوله،
أنه حتى وإن ظننت أن لا معنى لما تفعل،
فحتماً هناك يوجد شخص،
مختبئ عن ناظريك يقدّرك تقدير،
ليس بإستطاعة أحد أن يقدّرك به،
وأحب أن أقول،
أنني أقدّر كل شخص منكم،
على إهدائي،
الوقت من يومه،
لقرائة كلماتي البسيطة.
فيصل...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق