السبت، 2 مارس 2013

الكنز الضائع...

الكنز الضائع... "٢٦"
قصّة قصيرة بقلمي...

على ضفاف النهر،
يمشي طفل صغير،
قد يترائى من بعيد،
كأنه في الرابعة أو الخامسة،
لكن عندما تقترب منه تعلم أنه أكبر من ذلك،
فهو تقريباً في الثامنه،
ولكن ملامحة لا توحي بذلك،
أيضاً طريقة حركته تعبّر عن البراءة،
أكثر منها عن الصبيانية،
وهو يمشي،
كان يهمهم بكلمات،
"ثمانية وستون، تسعة وستون،
سبعونٌ سبعون"،
ولازال يمشي ويهمهم،
بملابسه المتقطعة،
بنطال بنّي بالٍ،
وقميص أخضر فضفاض،
وقبّعة قش كبيرة،
تعطيه منظر الفلّاح الصغير،
ولايرتدي حذاء،
"لاحذاء أبداً"،
كما يقول،
"لأن الحذاء يحد من حريّتك"،
وفجاة،
"مئة"،
ثم إلتفت جهة النهر،
وقفز في الماء،
بعد أن القي ثيابه،
إلا من سروال داخلي من القطن،
النهر لم يكن سريع الجريان،
وصل للقاع بسهولة،
أمسك بشيء يشبه السلسلة المعدنية،
واخرجه معه لخارج النهر،
بدأ يشده،
ويسحبه،
حتى أصبح مشدوداً،
ثم قرع عليه،
بالقضيب المعدني اللذي كان يحمله،
قرع ثم قرع،
ثم توقّف عند الثالثة،
وأتمّها بالرابعة،
وبعد قليل،
إذا بالضفّة المقابلة،
كأنما باب سرّي يفتح،
حتى لو كنت مارّاً بجانب الصبي،
أو الباب،
لن تشعر بشيء،
حتى فتح الباب لآخرته،
فبظلال صغيرة،
تتباين من بعيد،
وأحدها يصرخ بإسم،
وكان الإسم للفتى،
ليلوّح لهم،
وأحد الظلال بدأ بتوبيخ الفتاة التي صرخت،
وضع ملابسه بداخل كيس صغير،
وأخذ يسبح بإتجاههم،
ما إن وصل،
حتى سحبوه للداخل وأغلقوا الباب.

في الداخل،
كان المكان شبيه بأرض للعب الأطفال،
وكان مليء بالأطفال،
ربما مايقارب سبعة أطفال،
أربعة فتيان،
وثلاثة بنات،
بداخل هذه الغرفة،
المكوّنة من الأسرّة المتكسّرة،
والأثاث المهترئ،
والملابس القديمة،
كذلك الأطفال،
عندما تراهم تعلم أنهم فقراء،
فقد كانوا أيتام،
تجمّعوا بهذا المكان،
اللذي إكتشفه كبيرهم،
واللذي يكاد لصغر حجمه أن يكون أصغرهم،
لأنه لم يكن لهم ملجأ،
في هذه المدينة،
القاسية،
صرخ أحدهم،
"هل أحضرت الطعام!!"،
ردّ عليه وهو يبتسم،
"نعم ، نعم"،
بدأوا بالأكل والضحك،
وهكذا عاشوا حياتهم،
وفي يوم ما،
كان كبيرهم خارج المخبأ،
ليأتيهم بالأكل،
وإذا به يسمع،
"ياقوم أنفذوا بجلدكم،
فالسد سيتدمّر،
والنهر سيفيض!!!"،
صعق الصبي ممّا سمع،
وذهب يركض للمخبأ،
لكن أحد الرجّال،
مسكه وحمله يركض به هاربين،
يصرخ الصبي،
"أتركني أصدقائي،
أخوتي،
أرجوك ياسيّدي لابد أن أحذرّهم"،
ردّ الرجل وهو يركض مسرعاً،
"لاتقلق سيجدون من يساعدهم"،
صرخ كالمجنون،
"لا ، لا انت لاتعلم انهم اسفل النهر!!"،
لم يهتم الرجل لذلك الكلام الغريب،
واعتقد انها هذيان بسبب الخوف،
بعد ايام،
هدأ النهر،
ورمّم السد،
عاد الجميع لوسط المدينة،
والصبي يركض كالمجنون،
ومعه الرجل اللذي قد سمع حكايته بالتفصيل،
بعد مرور هذه الايام،
حتى اذا وصلوا لذلك المخبأ،
وجدوا الباب كأنه منفجر من الداخل،
سبح الإثنان للمخبأ،
ووجدوا بداخله حفره ولاشيء آخر،
قال الرجل،
"أعتقد أن الماء،
أتى من الإسفل ورمى الجميع خارجاً"،
جلس الصبي يبكي،
"كنزي ااه، كنزي اه"،
انتهى الموقف على هذه الحال،
وبقى الصبي مع الرجل.

بعد مرور بضع السنوات،
كان الصبي قد كبر قليلاً،
وهو مع الرجل يرتحلان،
على مدن النهر،
من المحيط الى البحر،
واذا هو يتجوّل باحدى هذه المدن،
يبيع ويشتري،
يسمع صوت يناديه،
صوت مألوف،
قد سمعه كثير من المرّات،
صوت يأتيه بأحلامه كلّ ليلة،
توّهم أنه يحلم،
صاح الصوت من جديد ينادي إسمه،
فلمّا إلتفت إذا بتلك الفتاة،
التي كانت معه في المخبأ تأتي له مهرولة،
من دون أن يشعر فتح ذراعية،
كأنه تركها بالأمس،
فسقطت بحضنه،
إحتضنها بشدّة،
وهي تبكي فرحاً،
وهو من الدهشة،
لم يخرج صوت،
فقط دموعه تنهمر،
كان الرجل ينظر لهما باستغراب،
بعد حديث مطوّل علم منها التالي،
وكذلك الرجل إستمع لهما.

أن النهر عندما فاض بهم،
أتى الماء من إسفلهم،
ورماهم خارج المخبأ،
ومن حسن حظّهم،
أن أسرّتهم كانت من الخشب،
التي تمسّكوا بها جيّداً،
حتى سقطوا بهذه المدينة.

بحثنا عنك،
متوّقعين أننا لازلنا بمدينتنا،
ومن ثم علمنا،
انها ليست مدينتنا،
فاتفقنا ان نعود لمدينتنا،
لكن كانت الطريق طويلة،
ولم نملك المال ولا الغذاء،
فمن حسن الحظ،
وجدنا زوجين يملكان مطعم،
طيّبا القلب،
وقمنا بالعمل معهم،
مقابل الطعام والمسكن،
آملين أن نجدك،
وها انا اقوم بشراء الحاجيات للمطعم،
اذا بي المحك،
وانت تعرف البقيّة.

"خذيني لهم الان"،
صاح الصبي،
واخذته الفتاة،
تبعهما الرجل،
حتى وصلا للمطعم،
دخلوا جميعاً،
واذا بالصبي يرى أصحابه،
ويصرخ بصوته العالي،
"أخيراً وجدت كنزي الضائع!!!".

ختام:
أحياناً كثيرة،
لايكون الذهب او الالماس هو الكنز،
تكون الكنوز عبارة عن علاقات،
جميلة ، نقيّة ، ونادرة جداً،
بحيث لا يهمّنا سوى بقاء هذه الكنوز،
إن كنت تمتلك شخص تعتبره كنزاً،
فحافظ عليه،
وإن لم تكن،
فأبحث من الآن.


فيصل...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق