عطر الذكريات... "٩"
قصّة قصيرة بقلمي...
من أجمل ماتوّصلت إليه البشرية،
العطور،
للعطور سحر خاص عن باقي الأشياء،
فهو يداعب أرق حاسّة في الإنسان،
حاسّة الشم،
كما أن للعطر سيطرة على الأشخاص،
فبعض العطور تذكّرنا بإيام الطفولة،
وأخرى تعيد لنا ليال الحب،
الأفراح الأحزان،
حتى قد يصل الأمر إلى،
أن تكون لكل مناسبة،
عبيرها الفريد،
وكأي مناسبة،
تبدأ حكايتنا البسيطة.
اليوم هو يوم خطوبتنا،
أتذّكر ذلك اليوم بوضوح،
أتاني ليطلب يدي من والدي،
وعندما دعاني والدي لأراه،
طرتُ فرحاً لوسامته ولباقة حديثه،
شاب أنيق هادئ،
مهذّب،
بدأ يسألني أمام والدي بإحترام،
محاولة منه في التعرّف علي،
وانا أجيب بخجل،
كان إعجابي به وبطريقته،
شيء لم أعتاده من قبل،
وبعد أن فرغ أخبرني،
إذا كانت لدي اسألة له،
فأجبتُ نفياً بخجل،
وبعد مرور عام على خطوبتنا،
أهداني أول عطر أتاني منه،
لقد أهداني هدايا قبلها،
وكان كريم بالهدايا كما كان كريماً بمشاعره،
وعشقت ذلك العطر لأنه دائماً يذكرني به،
تزوّجنا ولازلت محتفظه بعطره،
ولا أستخدمه إلا في هذا اليوم،
لاتسيؤوا فهمي فقد كنت أستنشقه،
كلّما ما أتعبني الحنين،
وغمرتني أمواج الأشتياق،
فرائحة العطر،
تهدأ من روع مشاعري،
وبعد زواجنا حظينا بإبنتنا الأولى،
وكان يعشقها وكنت مجنونة بها،
لقد كان بعد الزواج أجمل حالاً منه قبله،
لم يتركني،
آلا وانا ممتلئة منه بجميع مشاعري،
وكنت دائماً أفكر به حتى وهو بجانبي،
كان يداعبني بـ"طفلته"،
وكنت أجيبه بـ"بابا"،
ولم يستحق من بعد أبي،
سواه ذلك الأسم،
لأنه كان لي أباً،
أخاً،
حبيباً،
صديقاً وزوجاً،
ومرّت الأيام وكبرت إبنتنا،
ولم نرزق بسواها،
وتخرّجت من الجامعة لتصبح،
دكتورة أطفال،
كما هو حال والدها،
اللذي جعلها تهوى مايهوى،
لشغفة الكبير بعمله،
فقد كان يعشق كونه دكتوراً للأطفال،
بشكل لا يمكن وصفة إلا بالطفولي"سخرية"،
أن يكون دكتور الأطفال طفولي،
وبعد تخرّجها قد تقدمّوا الشبان لها،
ثم وافقت أخيراً على الزواج،
أتذكر فرحتنا يومها،
لقد خرجنا جميعاً للعشاء،
وكانت تحمّر خجلاً وغاضبة جداً،
حيث دعونا قريباتها معنا،
وبكت يومها كثيراً،
ياه ما أجمل تلك الذكريات،
سامحني عزيزي،
فلا زلت أشتاق لك،
وفي هذا اليوم أشتاق،
أكثر من أي يوم آخر،
هذا أنا أضع من عطرك،
ومع رائحته يعاد عرض شريط حياتي،
بالرغم من مضيّ ثلاثة أعوام على وفاتك،
إلا إنني لازلت أشتاق لك،
في مثل هذا اليوم،
أول يوم رأيتك به،
أول يوم تعرفت على الرجل،
اللذي سيجعلني أعشق الحياة معه،
أعشق حياتي،
لحظاتنا المجنونة وإستهتارنا،
عفويتك حلمك وغضبك،
ياه ياعزيزي الدمع لايتوّقف،
في مثل هذا اليوم بكيت كثيراً،
لكن منذ وفاتك أصبحت دموعي تحرقني،
كم أعشقك،
لم أشعر بقوّة الفقد إلا من بعد رحيلك،
أهواك بشكل لا يوصف،
يازوجي العزيز،
رحمك الله وأدخلك جنّاته،
وأرزقني الصبّر،
حتى يأتي يومي،
وألقاك بجنّته،
نوماً هنيئاً يافارسي.
تقبّل الصورة،
صورة زوجها التي مرّ عليها ثلاثون عاماً،
صورة زفافهم،
وتعيدها إلى مكانها بجانب السرير،
تعيد العطر لمكانه المعهود بجانب الصورة،
تمسح دموعها وتخرج لتلقي إبنتها،
وحفيدها التي يحمل إسم زوجها،
يباركون لها بهذا اليوم،
تقبّل حفيدها وتحضنه عميقاً لصدرها،
ودمعة تكاد تهرب من جفونها،
ويقول الصبي،
"جدّتي ياه كم هي طيّبة رائحتك،
لماذا ياجدتي لماذا رائتحك جميلة!؟."،
تنظر بعيناه وتقول له بصوت حنون،
"هذه رائحة ذكرياتي ياعزيزي..!!".
فيصل...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق