الثلاثاء، 12 فبراير 2013

المسباح والزمن...

المسباح والزمن... "٥"
قصّة قصيرة بقلمي...

حكايتي..!؟
ألم تمل من سماع حكايتي بعد!؟
كما تشاء ياصديقي سأحكي لك حكايتي،
أول ذكرى لي كانت،
عندما صنعني ذلك الكهل،
اللذي أفنى حياته،
بصنع المسابيح،
وكنت أنا آخر أعماله،
وتحفته الفريدة،
جمعني من أجود الخرز،
ذا لون ترابي،
وخيط أسود لامع،
وزركشات فريدة من نوعها،
عرضني بدكّانه،
وكان سعري باهض الثمن،
حتى أقسمت أنه لن يبيعني،
ثم أتى ذاك الشاب الوسيم،
اللذي نظر لي،
وشعرت بأني قد سلبت،
قال لصانعي،
"بكم!؟"،
ردّ عليه بالسعّر الباهض،
ودون كلام دفع السعر وأبتسم،
فرح صانعي وهمس له،
"إحتفظ به، فإنه ختام حياتي"
ردّ الشاب،
"لاتقلق سيكون في أيدي أمينه"
وذهبت معه وانا فرح ومرعوب،
فأنا لم أخرج لمكان من قبل،
وزادني غرابة أن الشاب،
يملك مسباح آخر،
فماذا أراد بي،
حتى وصل لبيته،
وإذا بذاك الصبي،
اللذي يفوق الشاب وسامه،
جميل ذا شعر أسود كالليل،
وبشراء سمراء كالصحراء بالدُّجى،
صرخ الولد،
"والدي!! والدي!!"،
فأجابه الشاب اللذي هو أباه،
"أهلاً عزيزي، إهدأ قليلاً،
فلدي ما أريك"،
أتتذكّر ياصديقي ذلك اليوم،
إنه اليوم الأول اللذي رأيتني به،
وأكاد لا أصدّق فرحك،
وبريق عينيك يومها،
حتى كلماتك البريئة،
"يااه إنه مسباح،
الآن أنا رجل كوالدي"،
ضحكت على كلماتك اليوم،
كما ضحك عليها والدك يومها،
أتذكر ماقال لك،
"ما أجملك،
نعم أنت رجل مثلي يا ابني الغالي،
هذا المسباح سحري عزيزي،
فإنه سيحميك عندما تكون يائساً،
سيسعدك عندما تشعر بالحزن،
سيساندك بجميع أوقاتك،
سيكون صديقك من بعدي،
لن يتركك أبداً،
فلا تتركه مهما حدث ياعزيزي،
أتعدني بذلك!؟"
ورددت عليه بفرحة عارمة،
"أعدك يا أبي، أعدك !!"،
وأخذتني يومها ولامست يدك اليافعه،
وأخذت تلعب بي،
وتجعلني قريباً منك،
عندما كنت صغيراً،
إعتدت على وضعي حول رقبتك،
وعندما كبرت جعلتني سواراً في يدك،
أو بدأت باللعب بي،
كنت تتحسسّني عندما تشعر بالتوّتر،
تمررني بين أصابعك عندما يعتريك الملل،
تجعلني بجانب رأسك عندما تنام،
لقد ذهبت معك لكلّ مكان،
عرفت أسرارك،
عشقتك وعشقتني،
هل تذكر أول قصّة حب لك،
تلك الفتاة التي تزوّجتها،
وهل تذكر أول مولود لك،
ياه ياصديقي كم كنت فرحاً بذلك،
وهل تذكر أول أجر حصلت عليه،
وأنت تعمل في محلّ والدك،
وهل تذكر عندما صرت غنيّاً،
وعندما أفلست،
عندما توّفت كبرى بناتك،
وعند زواج أبنائك،
هل تذكر،
ياه ياصديقي كيف أن الزمن يمر،
لم تتركني يوماً واحداً،
جعلتني قريب منك طوال هذه السنين،
وكم أسعدتني حياتي معك،
لقد كانت حياة لا أستطيع أن أطلب دونها،
وها أنت الآن ياصديقي،
على فراش الموت،
تلفض أنفاسك الأخيرة،
وانا لست حزيناً أبداً،
فحياتك كانت حياة جميلة،
حياة نادرة،
حياة بمعنى الكلمة،
ولو خيّل لي العودة لذلك الزمن الجميل،
عندما كنّا صغاراً،
وتهمس لي،
"معاً دائماً سنكون،
معاً سنصنع المستحيل،
معاً سنعيش الحياة بكل تفاصيلها"
وفعلنا ياعزيزي،
فعلاً نحن فعلنا ذلك،
والآن وانا بيد أصغر أحفادك،
لاتطيب لي حياة دون حياتك،
فعندما ترحل،
سأرحل معك،
وسأدع لحفيدك حريّة مايفعل بي،
فحياة من دونك،
ليست حياة،
والآن فقط إرتاح،
ودع آخر لحظات حياتك،
تكون حياة لمن حولك...


فيصل...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق