الكرسي المتحرّك... "١٦"
قصّة قصيرة بقلمي...
في أحد غرف بيت ما،
في زاوية الغرفة ،
يوجد كرسي متحرّك،
قد أصبح بالياً من كثرة الإستعمال،
تدق ساعة المنبّه،
تخرج يد ناعمة من تحت الغطاء،
لتطفئه،
تبعد اليد غطاء السرير عن الجسد،
فإذا بالفتاة إستيقظت على صوت المنبّه،
والساعة لاتزال في وقت مبكّر،
نهضت حتى أصبحت جالسة على السرير،
قرأت الأذكار الصباحية،
ثم مدّت يدها لتحظر صديقها،
الكرسي المتحرّك،
واللذي تناديه بـ"صديقي"،
حملت جسدها عليه،
كطريقة المعاق اللذي إعتاد إصابته،
لتجلس على الكرسي،
وهي تقول،
"عذراً ياصديقي،
أعتقد أنني إزدتّ وزناً"،
وضحكت وكانت لضحكتها نغمه خاصّة،
مطربة مفرحة،
كما هي حال خفّة روحها،
ذهبت لدورة المياه،
اللذي بُني خصّيصاً لها،
وكان تابعاً لغرفتها،
وأستحمّت وخرجت أخيراً،
لتلبس ثيابها،
لقد إعتادت على إعاقتها،
حيث أن كل ماتقوم به،
رغم صعوبته إلا أنك حينما تراها،
تعتقد أنه شيء سهل،
قامت بصلاة الفجر،
فقد كان أوانها،
ثم دخلت للمصعد،
اللذي وضع خصيصاً لغرفتها،
بالدوّر الثالث من البيت إلى الدور الأرضي،
ذهبت للمطبخ،
وكانت تتحرّك بإنسيابيه،
حتى لو وجدت نفسك بجانبها،
لن تشعر حتى بعجلات الكرسي،
تحتك بالأرض،
فقامت بصنع إفطارها،
وكان إفطارها بسيطاً،
حيث أنها لم تهوى الأكل كثيراً،
بعد إنتهائها من إفطارها،
قد أتى وقت الصباح،
فذهبت للدور الأول،
توقظ إخوتها لأنه يوم دراسي،
وكانت تقوم بذلك بكل سعادة،
فتجهّزهم للمدرسة،
وتلبسهم ثيابهم الصغار منهم،
وتعود للمطبخ لتصنع،
إفطاراً بسيطاً لهم،
وهي منهمكة بعملها،
إذا بإخوتها يأتون واحد تلو الآخر،
يصبحوها خيراً،
ثم يقبلوها على وجنتها،
وكان قلبها يطير فرحاً،
بسبب القبل تلك،
وكان قلبها معطاءً محبّاً،
ثم يجلسون على المائدة،
فتعطيهم إفطارهم،
فيلتهموه،
وبعدها يذهبوا خارجاً،
لمدرستهم،
وإذا بذويها قد هبطوا للتو،
أباها كان رجلاً ضخم الجثّة رقيق القلب،
قبّل رأسها وهو يقول،
"كيف حال ملاكي الصغيرة"،
تجيبه ككل يوم،
"بخير ياملاكي الحارس"،
ثم تنزل والدتها وكانت جميلة،
جداً جميلة ولايفوق جمال منظرها،
إلا جمال قلبها،
ولكنّها صغيرة البنية قليلاً،
حتى أن زوجها يمكن حملها بيد واحده،
أتت للفتاة وأحتضنتها،
"كم أنا فخورة بك يا ابنتي،
دائماً تفعلين كل شيء لوحدك،
ماعسانا أن نفعل من غيرك."،
تجيب الفتاة بابتسامة،
"لن تطيقوا العيش ياجنّتي"،
وضحك الثلاثة،
ثم بعد أن ذهب والداها لعملهم،
عادت الفتاة لغرفتها،
بعد أن قامت بتنظيف المكان،
وترتيبه لكي تستقبل أحبائها عندما يعودون،
ذهبت لغرفتها،
وجلست أمام شبّاك غرفتها المنخفض،
اللذي يساعدها أن ترى من خلاله للشارع،
تنظر وتبتسم تتابع حركات البشر،
ثم تشعر بالنعاس،
وتعود لترتاح بفراشها،
وتغمض عينيها،
وبتلك اللحظة،
يكاد يسمع صوت نحيب...
ياه كم أنتي عظيمة ياصديقتي،
كم أعشقك وأهواك،
ياليتهم يعلمون معاناتك،
ياليتهم يعلمون كم أنتي رقيقة،
ولكن ليس لديك حيله،
فأنتي إخترتي أن تكوني قويّة،
لازلت أتذكّر اليوم،
اللذي سمعتِ به أهلك صدفه،
وهم يتحدّثون على طاولة العشاء،
كيف أنكِ أصبحتِ عاله،
ومنذ يومها،
والى الآن خمس سنوات،
لازلت تجعلين من نفسك أكثر قوّة،
لم تكترثي بإعاقتك،
وحمدتي ربّك على نعمه،
وتفعلين المستحيل بشكل يومي،
لا ياعزيزتي أنتي لستِ ناقصة،
لستِ معاقة أو عالة،
حياتك بحد ذاتها معجزة،
أنتي معجزة بكل ماتحويه الكلمة من معنى،
وما إصابتك إلا نقطة لهذه القوّة،
ويسعدني ويشرّفني حملك على ظهري،
يامعجزتي في كلّ يوم،
فأرجوكِ كفّي دموعك.
ختام:
هناك معاقون وصلوا لمرحلة الكمال،
وهناك معافين أصابتهم الإعاقة الأخلاقية،
فلا تحكم على الشخص من خارجة،
ولاتأخُذك الشفقة بمن يجلس،
على الكرسي المتحرّك،
ولكن إفتخر بأن هذا الشخص،
ناضل بحياته وهو يعيشها يومياً،
باسماً فرحاً سعيداً،
ولا يشكي حاله لأي شخص،
سوى لله وحده،
وأما نحن نخجل أمام هذه المعجزات،
اللتي تجلس ليس على "كرسي متحرّك"،
وإنما ما أحب تسميته،
*عرش الحياة*.
فيصل...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق