البطّة والفراق...
قصّة قصيرة من "حياتي"....
عندما كنت صغيراً،
أحضر لي أخي الكبير،
بطّتين صغيرات،
كانتا أول الحيوانات الأليفة،
التي إقتنيتها،
أحببتهما كثيراً،
كنت أحافظ عليهم وأطعمهم،
ماتت واحدة وبقيت الأخرى،
كبرت قليلاً وزاد تعلّقي بها،
وبعد فترة،
كنت في مدينة الملاهي،
"يوم البحّار"،
إحدى مدن الملاهي المعروفة في الكويت،
تقع على شارع الخليج،
مدينة شعبية بسيطة،
جميلة وكنت أعشقها كثيراً،
وأعتقد إنني لازلت،
رغم إنني لم أطأها منذ مدّة،
لايهم،
عندما كنت هناك وانا صغير،
رأيت باعة "للحيوانات الأليفة"
ووجدت بائع للبط،
وكانت إحداها بعمر بطّتي،
إشتريتها كي تسليّها،
طبعاً اللذي شراها لي هذه المرّة،
والدي "رحمة الله عليه"،
كنت سعيداً جداً،
حيث أنني وجدت صديقة لبطّتي،
وخلال أقل من أسبوع نفقت البطَة الجديدة،
وبقت بطّتي فقط،
تكبر وتكبر،
حتى غدت كبيرة علي لحملها،
كنت أعشقها أيمّا عشق،
من الغريب إنني لم أطلق عليها إسم،
فقط كنت أناديها ببطّتي،
عندما يكون الشيء واحد فقط،
فلانحتاج للأسماء،
كما قلت لقد عشقتها،
كانت في مكان من بيتنا،
يسمّى "البخّار" أو الملحق،
يشبه الكراج تقريباً لبيتنا،
كنت آتي لها بالأكل،
وأحمّيها بحوض ماء،
إشتريته خصيصاً لها،
كانت تحبّني كذلك،
كل مادخلت عليها،
كانت تأتيني ركضاً،
تصرخ بصوتها المضحك،
"واك واك وااااك"،
كنت أداعبها وألعب معها،
تحوم من حولي على هيئة دوائر،
وأحياناً يكون معي،
قطعة من البطيّخ،
فكانت تأتي لتمسح رأسها عند قدمي،
فكنت أعطيها منه فتلتهمه،
كنت أتحدّث إليها،
عن كل شيء تقريباً،
ومع مرور الوقت أصبحت كبيرة جداً،
وقد تملّلوا منها أهلي،
حيث قالوا أنها توّسخ المكان،
وفي ذلك الوقت لم أستطع حملها،
إلا بصعوبة،
لا أعلم كم كان وزنها ،
لكنّها كانت سمينة جداً،
ومرحة وسعيدة دائماً،
فقرّر والدي بيعها،
لأنهم لم يطيقوا وجودها،
بسبب كبر حجمها،
رفضت ورفضت،
ولكن دون جدوى،
خذاني والدي "رحمة الله لنبيعها"،
ولم يرد أحد شرائها،
ربما لأنهم رأوا كيف كنت محتضنها بشدّة،
أو ربما لم يرد أحد بطّة مدلّلة،
لا تعرف غير الضحك واللعب،
ليس من ورائها فائدة،
إلا لهذا الطفل "انا"،
اللذي وجد بها صديق عزيز،
وسعدت أنه لم يرد أحد شرائها،
ونحن في طريق عودتنا،
وجد والدي رجال من إخواننا في مصر،
كانوا من أهل الصعيد،
قال لهم والدي هل تريدون البطّة،
رفضوا بحيث ليس لديهم المال لشرائها،
فقال خذوها بالمجّان،
فرحوا بذلك أشدّ الفرح،
وماكان منّي،
إلا أنني حزنت أشدّ من ذلك بكثير،
وغضبت ولكن بصمت،
توالت الأعوام وها أنا اليوم،
أكتب عن هذه البطّة،
التي فارقتها منذ مايقارب،
الثمانية عشر عاماً،
ولكن أعتقد أنني بعد كتابتي،
لهذه القصّة فإني،
قد سامحت والدي "رحمه الله"،
وأيضاً أولائك الرجال اللذين أخذوها،
وسامحت نفسي على ضعفي،
لعدم مدافعتي عنها أكثر من ذلك،
وكانت تلك أول تجربة لي للفراق،
وإلى اليوم،
لم أنساك أبداً ياصديقتي.
ختام:
الفراق نوع من الألم لايمكن وصفة،
وخصوصاً الفراق الأول،
رغم السنين ذقت الفراق بأنواعه المختلفة،
الشديد منها والخفيف،
ولكن مع الوقت،
يذهب الألم وتبقى ذكرياتهم الجميلة،
فبكل شخص يوجد جزء،
من الأشياء التي فارقته،
بسيطة كانت أم كبيرة،
أعتقد أنه حتى اليوم وأنا بهذه القهوة،
جالس على الكرسي،
أكتب القصّة،
أشعر بطيفها يداعب قدمي،
وهي تصرخ،
"واك واك وااااك".
فيصل...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق