الجمعة، 15 فبراير 2013

الصداقة..

الصدّاقة... "١١"
قصّة قصيرة بقلمي...

أكثر العلاقات الإنسانية "إنسانية"،
هي الصداقة،
فالصداقة ترتفع عن كل شيء،
لايهم جنس عرق عمر أو حتى مكانة،
فالأصدقاء يتواجدون بشكل مختلف،
وتنشأ الصداقة بينهم،
غني وفقير،
أبيض وأسمر،
رجل وأمرأة،
كبير وصغير،
وهناك دائماً من يكره مثل هذه العلاقات،
مثل هذه الصداقة الطاهرة،
لأن قلوبهم لا تتحمّل النور،
فهي سوداء من الخباثة،
ولايوجد علاقة قد تجمع شخصين،
أسمى من علاقة الصدّاقة،
ومن هنا نبدئ حكايتنا.

هذا هو يدخل للمجلس من جديد،
صديق والدي اللذي أكرهه،
ياله من منافق،
دائماً يدّعي محبّتي،
وهو يكرهني،
أستطيع أن أشعر بذلك،
ولكن لا أعلم ماذا يعشق أبي به،
ومايرى به،
إنه فقير تافه وحقير،
أعلم أنه يفعل كل ذلك لأجل المال،
فأن أبي يعطيه المال،
ويصرف عليه وهو لا يعمل،
ويعتاش ممّا ينفق عليه والدي،
ولكن رغم كل ذلك فإن قلبي رحيم،
سأعامله بأدب إحتراماً لسنّة،
كما ربّتني والدتي،
"أهلاً ياعم،
لقد أنرت المجلس بوجودك."،
لماذا ينظر لي بغرابة،
سينطق،
"عزيزي أخبر والدك أنني راحل..!!"،
راحل!؟ بماذا يخرّف فقد دخل للتّو،
"إلى أين لقد أتيت لتوّك ياعم!؟"،
"لم آتي إلا لتخبره هذه الرسالة نقلاً عنّي،
وداعاً..!!"،
وداعاً!! يالجنونه، فليذهب للجحيم إن أراد،
"حسناً ياعم كما تشاء"،
وهذا هو قد رحل كعادته مشياً،
بثيابه المهترئة.

والآن قد بقيت لوحدي،
لأرى ماذا أتاني من رسائل بهاتفي،
نعم اصدقائي ومن بعد،
كالعادة لايوجد شيء مختلف،
هذا أبي قد أتى،
لأقبّل رأسه،
"أهلاً بالغالي، كيف حالك!؟"،
"أهلاً يا أبني بخير،
هل صديقي أتاك اليوم!؟"،
"نعم لقد أتى وكان غريب الأطوار"،
"غريب الأطوار، كيف!؟"،
"لقد قال إنه أتى لأجلي،
وأوصاني أن أوّصل لك رسالة،
مفادها إنّه راحل."،
لماذا هذه النظرة تعتلي وجه أبي!؟،
ما الأمر،
لأسألة،
"أبي ما الأمر، كأنك تضايقت من كلامه"،
"ها..!! نعم ياعزيزي أعتقد إنني مستاء"،
"لماذا!؟"،
"لأن صاحبي راحل"،
راحل !! هل خرّف والدي،
إذا كان سيرحل فأنه سيعود غداً،
ماكل هذه الجلبة!؟
"أبي وإن كان سيرحل سيعود غداً"،
"لاياعزيزي إنه راحل للأبد"،
"لم أفهم"،
"إنها حكاية معقّدة"،
"أخبرني بها يا أبي"،
"حسناً يابني".

منذ زمن بعيد،
كنت أنا أبن رجل فقير،
وكنّا نعتاش من رعي الأغنام للتجّار،
كان والدي يأخذني معه،
لأساعده أحياناً ولأتسلّى أحياناً أخرى،
لم أعرف والدتي لأنها توّفت عندما أنجبتني،
وكنّا في أحد الأيام نرعى الأغنام،
فوجدت صبيّا مثل عمري عند الأغنام،
تعرفت عليه،
وأصبح صديقي،
وكنّا بسطاء لا نفكّر كثيراً بما نفعل،
فقط نضحك ونمزح ونستمتع،
وبعد فترة إكتشفت أنه إبن لتاجر الأغنام،
اللذي كان والدي يعمل لديه،
تعمقت علاقتنا مع السنين،
وتعب والدي،
وصرت أنا من يرعى الأغنام في مكانه،
وأصبح صديقي هو اللذي يملك "الحلال"،
ولم نكن نهتم بذلك،
لم أحسده على ماله،
ولم يتعالى علي لعملي لديه،
في تلك الأيام لم نكن نهتم بهذه الأمور،
وكان إهتمامنا في بعضنا،
فكنّا نسهر معاً ونذهب ونأتي معاً،
وتفرّقنا المشاغل أحياناً،
وفي أحد الأيام،
في شبابي،
قد توّفى والدي،
فطلب منّي أن آتي لأعيش معه،
في بيته أو بالأحرى قصرة،
لم أفعل شيئاً،
فقد كنّا واحد في البيت،
أنا هو وهو أنا،
وتوّفى والده بعدها بأعوام،
وكانت والدته إمرأة مريضة،
طريحة الفراش،
وفي خلال عيشنا معاً،
وقع كلّ منّا بالحب،
ولسخرية القدر،
أنا عشقت إبنة تاجر غني جداً،
وهو عشق فتاة فقيرة،
تنسج القطن،
أردنا الزواج،
لكن لم يحالفنا الحظ،
فحبيبتي لن يقبل والدها،
بابن راعي،
وحبيبة صديقي،
آه من اللذي حصل لهم،
نعم لقد تزوّجها،
لكن بعد زواجه بعامين،
رغم السعادة اللتي عاشوا بها،
رغم الفرحة التي شعرت بها،
إلا إنها لم تتم،
فبسبب العيش،
تحت نسج القطن،
إكتشفنا أن الفتاة،
مصابة بمرض نادر برئتيها،
بسبب نسيج القطن،
وتوّفت مخلّفة صديقي بقلبه المكسور،
وأبن جميل لم يكمل العام،
بعد أيام من الفاجعة،
أتاني صديقي يقرع باب غرفتي،
في جنح الليل،
فتحت الباب وإذا به،
متعب منهك يخبرني بالآتي،
"صديقي،
ماالذي يمكنك أن تفعله لي!؟"،
أجبته من غير تفكير،
"الموت لأجلك..!!"،
"الموت سهل ياعزيزي،
لكن هل بإستطاعتك العيش من أجلي!؟"،
"أكيد ياعزيزي سأفعل أي شيء لك."،
"إذا أفعل ما أريده منك"،
وفعلت ما أراد وهو كالتالي،
قام بتحويل جميع أملاكه بأسمي،
وذهبنا نخطب الفتاة التي أحببت،
ووافق والدها لوفرة مالي،
ولأنه إعتقد أنني إبن التاجر،
وهو أخذ كميّة من المال،
وذهب بعيداً،
تاركاً أبنه تحت رعايتي،
وبعد أعوام لم نرزق انا وزوجتي بأطفال،
وكان هذا الطفل كإبننا فعلاً،
وبعد عدد من السنوات عاد صديقي،
لشوقه لأبنه،
ولكن كان يخبرني أنه سيرحل في أحد الأيام،
وكان يرفض كل ما أعطيه من مال،
حتى رفض العيش معي،
لأنه لم يرد مضايقتك أكثر،
ولا أعرف السبب لذلك،
والآن هو راحل للأبد،
فيا أبني اللذي رحل هو أباك،
وانا صديقه.

وقف الأبن جامداً،
مصعوق من اللذي سمعه،
قال،
"ماهذا ، ماهذا اللذي أسمعه!؟"،
أجاب الأب،
"هذه هي الصداقة ياعزيزي،
نحن رجلان أحببنا بعضنا،
أكثر من أنفسنا،
وكنّا مستعدّين للموت لأجل أحدنا الآخر،
ولكن فعلنا المستحيل،
فكلّ منّا عاش لأجل الآخر.."


فيصل...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق