الكلمة اللكمة... "١٩"
قصّة قصيرة بقلمي...
ياه أشعر بالدوّار،
هتافاتهم لم تتغيَر،
كما كانت منذ الطفولة،
"قاتل قاتل قاتل"،
ذلك اليوم هو بداية كلّ شيء،
الساحة الخلفية،
شمس الظهيرة الساطعة،
والقتال،
والصراخ والألم،
والدم اللذي يضخ بقلبي،
ويتناثر من فمي،
قبل ذلك ماكنت أفعل،
نعم كنت صامتاً، خجولاً في الفصل،
كان الكثير من الطلبة يسيؤون معاملتي،
كنت أخاف القتال،
ولكن لم أكن جباناً فكنت أردّ عليهم،
بالكلمات النابية مثلما يفعلون،
ولكن ذلك اليوم بالذات،
لم أعد أحتمل وهم كذلك،
فأجتمعوا حولي لضربي،
كنت خائفاً من القتال،
فقد كان هذا القتال الأول اللذي يحدث لي،
بدايةً،
هذا يشد من قميصي،
ليصفعني على وجهي،
فبعد الصفعه الأولى،
توّقف كلّ شيء،
الصراخ الوقت الألم وحتى الخوف،
ضربته بأقصى قوّتي بمعدته،
ليسقط يلتوي ممسكاً معدته،
فأتى الآخران،
ضربوني من كل اتجاه،
معدتي وجهي أطرافي،
لا أشعر بشيء،
وكنت أرد عليهم بالمثل،
حتى أن وصل الادرينالين بي،
أن حملت أحدهم وطرحته أرضاً،
وانهملت عليه باللكمات،
وانا لست اصرخ ولاشيء،
وكان كأن كل شيء إعتدت فعله منذ الصغر،
فقط أزعجني نبضي،
اللذي أصبح كقرع الطبول،
يضرب ويضرب برأسي،
وانا أذيق من كان تحتي أقسى الضربات،
والاخر يضربني ولكن لستُ أعلم من أين،
وفقط أسمع "قاتل قاتل قاتل".
واليوم كذلك نفس الصراخ من المتفرّجين،
وانا جالس،
وتعود ذاكرتي،
بسبب اللكمات التي ذقتها،
لذلك اليوم المشهود،
حيث كنت كعادتي،
أوسع أحد المتطفلّين بالضرب المبرّح،
وإذا برجل،
يبلغ من العمر اواخر الثلاثين،
يمسك يدي،
ليخبرني أن أتوَقف،
وأنا بتلك الحالة،
أستقبل الحديث،
ولكن يصعب علي تفسيره،
لذلك وجهت له لكمه،
وإذا به يصدّها،
ويرجع لي أقسى منها،
ليغمى علي،
وتلك كانت المرّة الأولى التي يغمى علي،
فقد خسرت معارك ولكن تلك الاولى،
التي أفقد وعيي،
والأشد ذهولاً أنها لكمة واحدة،
بعدها علمت أنه مدرّب للملاكمة،
تدرّبت معه،
سنين،
ونازلت العديد من الخصوم،
فمرةً أفوز،
ومرةً أخسر،
واليوم أخيراً بعد العمل الشاق،
وصلنا للمباراة الحاسمة،
مباراة بطل العالم في الوزن الثقيل،
والجولة العاشرة إنتهت،
وأنا على الكرسي،
ومدرّبي يصرخ بوجهي،
يصب الماء علي،
أشعر بطعم الدم في فمي،
كذلك ملوحة العرق،
فقدت الكثير من حواسّي الآن،
سمعي ، نصف بصري،
حتى قدرتي على الكلام،
فقد أخبروني لاحقاً،
أنه عندما كنتُ أقول،
"حسناً حسناً"،
كانت تخرج كالتالي،
"اومف اومف"،
والآن يدفعني المدرّب،
وجسدي يقف،
حتى لا أشعر بنفسي هل انا واقف أم لا،
أقترب وإذا بخصمي يقترب،
نترنّح،
يسدد لكمته لي،
ولكن قد رفعت دفاعي،
فلم تمر ،
يريد أن يرسل أخرى،
فأستبقه بسريعه في الوجه،
نترنّح من جديد،
باغتني بلكمة،
على قفصي الصدري من اليسار،
حتى أنني فقدت القدرة على الحركة،
وسقطت يداي عن دفاعاتي،
لينقض علي بلكماته،
حتى طرحني بالأمامية،
وانا على الأرض،
لا أسمع شيء،
لايمكنني الرؤية بوضوح،
حتى إنني لا أشعر بشيء،
من بين الصرخات،
أتذكّر أمر حدث قديماً لي،
كلمة أبي،
"يابني الرجل ليخسر في حياته،
في أي مجال،
وهذا طبيعي،
ولكن عندما يبدأ بالإستسلام،
فإنه سيعتاد على ذلك،
يابني،
في أي ميدان قاتل حتى تنتصر،
أو تخسر وحذار أن تستلم."،
خمسة، ستّة،
اه أسمعه،
لن أستسلم يا أبي،
سأنهض،
وها انا.
لم يعلم من أين أتت تلك القوّة،
إنقض على خصمه،
فطرحه أرضاً بعد وابلٍ من اللكمات،
وفاز بالقاضية عليه،
ليصرخوا به بطلاً للعالم في الوزن الثقيل.
قد مرّت الأعوام منذ تلك المباراة،
والآن البطل يجلس بين أحفاده،
يقص عليهم بطولاته،
وأحدهم يسأل،
"جدّي هل تشتاق للملاكمة"،
يجيب البطل،
"نعم فالملاكمة كانت طريقي،
اللذي *وجدني*".
ختام:
الحياة لها طرق عجيبه،
أحياناً نختار طريقنا،
وأحياناً كثيرة طريقنا هو اللذي يختارنا،
ولكن الأمر اللذي نحتاج أن نفعله،
هو،
"أن نسلك الطريق حتى النهاية".
فيصل...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق