الجوّال وحقيبتها... "٣"
قصّة قصيرة بقلمي...
في الظلام،
هذا حالي في الظلام،
في هذه الزحمة،
بين الأغراض المتناثرة،
المناديل، العطر، علب المكياج،
وأشياء كثيرة لازلت أجهلها،
قد تسألوني من أنا،
أنا جوّال لفاتنه،
أسعد لحظاتي عندما تحضنني بين أناملها،
تلعب بي وتلامسني بنعومة،
حيناً بإبهامها وحيناً بسبابتها،
تطيل النظر بي،
ولكن لاتراني،
سعادتي وحزني لهما نفس السبب،
تنظر من خلالي،
تقرأ وتكتب وتنظر للمقاطع،
تلتقط جمالها في صور،
وأحفظها بداخلي أبد الدهر،
سعيد انا جداً معها،
دائماً تنقلني بحقيبتها،
مع باقي أمتعتها،
تتركني ولا تتركني،
كلّ حين تخرجني،
لتراني ولكن لاتراني،
نعم هذه جنّتي وجحيمي،
كم أعشقها عندما تتحدّث من خلالي،
وعطر أنفاسها يداعبني،
كم أعشق مداعبتي لطيّات أذنها،
وأغار عندما تضع سمّاعاتها "الهيد فونز"،
أواسيها عندما تكون حزينة،
تستمع للموسيقى من خلالي،
وعندما تكون سعيدة وتخبر الجميع بفرحتها،
"من خلالي"،
أفرح عندما أراها تضحك،
عندما أريها شيء مضحك،
وأحزن إذا أريتها شيء،
يعكّر صفو مزاجها،
ولكن كل ذلك قد ذهب،
أصبحت ذكريات،
كما أصبحت أنا ذكرى،
لقد إشترت جوّال أحدث منّي،
وتركتني في حقيبتها منذ زمن،
وبالصدفة أخذت حقيبتها معها اليوم،
تلك الحقيبة التي تركتني بها منذ مدّة،
أشعر بها وهي تتحرّك وهي تتنفّس،
أشعر بها بكل تفاصيلها،
وهي ممسكة بذلك الجوّال الآخر،
أعتقد أنها لن تراني،
وتكاد طاقتي تفرغ،
حاولت المحافظة،
على ما أملكه من طاقة"شحن"،
علّها تنتبه لي،
أو يتصّل بها أحد "من خلالي"،
ولكن علمت بعدها أنها أخذت الشريحة،
وأصبحت انا بلا فائدة،
طاقتي فرغت،
رغم أنني صامت إلا أن ضوئي الباهت،
ينبهني بالخمول،
هذه نهايتي...
وفجأة تضع الفتاة يدها في الحقيبة،
وتشعر بشيء غير أمتعتها،
التي أعتادت عليها،
فتخرجه،
وإذا به جوّالها القديم،
ذلك الجوّال الذي عاش معها زمن،
رأت أن به طاقة خفيفة،
ولكن للأسف لاتملك شاحناً له،
قبلّته وأحتضنته بصدرها،
وقالت لصديقاتها،
"ياه يابنات كم أعشق هذا الجوّال،
لقد عشت معه أيام لا تنسى،
وسأحتفظ به للأبد،
ذكرى جميله لزمن جميل."،
فأجابتها صديقاتها بضحكات،
وكلمات مبهجة،
والجوّال يقول في نفسه،
وهو ينظر لصاحبته،
"ربما لن يمكنني أن أراك بعد اليوم،
ولكن هذه النهاية تكفيني،
وكم سأكون سعيداً،
حيث سأكون كنزاً لكِ،
فليأتي بدل جوّالك الجديد،
من يشاء منهم،
ولكن سأبقى أنا الأول،
سأبقى انا الكنز،
وسأرتاح الآن مع باقي كنوزك،
أحبّك..."
إنطفأ الجوّال،
وشعرت الفتاة بأنه كان ينتظر منها،
أن تراه ليفقد طاقته،
فوضعت الجوّال الجديد بالحقيبة،
وظلّت ممسكة بجوّالها القديم،
وعندما عادت لغرفتها،
فتحت صندوق ذكرياتها،
ووضعت الجوّال،
وهي تهمس له،
"أعشقك...."
فيصل...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق