الشمعة والدمعة... "٦"
قصّة قصيرة بقلمي...
في إحدى الغرف،
في آخر الليل،
وهج لضوء شمعة،
ضوء الشموع هادئ،
غير مزعج،
غير مؤذي،
يؤنس الوحده،
ويريح الألم،
وهناك في تلك الغرفة،
جرت هذه المحادثة،
بين فتاة وشمعتها.
كعادتها تشعلني،
وتبكي حتى أذوب،
ككل يوم،
ككل ليلة،
ياه ياعزيزتي ألم تكتفي من ذلك،
دموعك أشد حرارة من اللهب،
وأكثر كوياً من شمعي اللذي ينساب،
لأناديها وأسلي عنها،
"عزيزتي ، مابكِ!؟"،
"لقد رحل ياشمعتي، رحل..!!"،
"من ذا اللذي رحل!؟"،
"حبيبي عشقي هيامي وهواي"،
"إلى أين رحل!؟"،
"إلى طريق اللاعودة، رحل وتركني."
شهقت الفتاة ودموعها إنسابت،
وعلى ضوء الشمعة بانت السنين،
التجاعيد والألم اللذي اذهب شبابها،
الحب اللذي أضاع حياتها،
والآن الفتاة ليست سوى عجوز،
قد ذهبت خصال جمالها،
ولم يبقى الا بقايا،
من شعرها الأبيض،
وتجاعيدها،
وشفاها المتراصّة لفقدها أسنانها،
وهي تجهش،
ولكن الشمعة لا تستطيع أن ترى،
ولاتشعر بالوقت،
الا عندما تشعل وتذوب تعرف انه مرّ يوم،
والشمعة تضيء لمن حولها ولاترى نورها،
تحترق لأجل هذه الفتاة "العجوز"،
فشعرت الشمعة بالدمعة تنساب،
وهي تصرخ ألماً،
"كفى كفى لم أعد أستطيع التحمّل أكثر"
ردّت الشمعة،
"من أنتي ومابك تصرخين!؟"،
أجابت الدمعة،
"أنا دمعة هذه المسكينة،
كلّ يوم أنساب من أعماقها،
أحمل معي أجزاء من حياتها وسعادتها،
لم أعد أستطيع أن أتحمّل ماتفعله بحالها."،
وهنا قالت الشمعة،
"أخبريني ماللذي حدث لها!؟"،
فحكت الدمعة قصّتها.
كانت منذ زمن هذه العجوز شابّة،
فاتنة الجمال،
سحرت جميع الأولاد في سنّها،
ولكن لم تقع في حب أياً منهم،
وفي يوم رأت شاباً،
كان وسيماً،
وهي لم تكن تعرفه،
تراه كلّ يوم يعمل بجد،
وهو لم يكن يهتم بالفتيات كثيراً،
كما هو حال من هم في مثل سنّة،
إستغربت منه،
لعدم إهتمامه لها كما هو حال البقيّة،
فتبعته يوماً،
لتجده يسكن في بيت،
لا يسمّى بيتاً بل هو كوخ صغير،
وفي الداخل إمرأة كبيرة وطفلان،
كانا يصرخان بإسمه،
فعلمت أنه أخاهم،
وأن المرأة أمه،
فصارت تهتم لأمره،
وكل يوم عندما يكون بعمله،
كانت تمر على بيته،
وتحضر طعاماً صنعته بيديها،
مدّعية أنها صديقته،
وأحبّتها والدته،
وأخبرتها بالحكاية،
لقد كان هو ابنها الاكبر،
ولم تنجب بعده الا هذان التوأمان،
ووالده توّفى،
بسبب الوباء اللذي إنتشر،
أحبّته من حكايات والدته،
ومن حكايات أخويه،
وكان كلّ مايأتي وقت عودته تهرب،
وتدّعي أحد الأعذار،
حتى في يوم،
إستوقفها الشاب،
وسألها عمّا تفعل،
فقد أخبرته أمه عنها،
ووصفت شكلها،
فعرفها وهي كانت ليست بغير المعروفه،
إرتبكت وأجابته بخجل،
"الحقيقة إنني أحبّك"،
صعقت على خيانة قلبها وفمها،
فهي لم ترد قول هذه الكلمات،
ولكن الحب له سحره،
إعترت الشاب نظرة إستغراب،
ثم قال،
"كيف أحببتني وأنتي لاتعرفينني"،
فردّت عليه أنها تعرفت عليه،
من خلال كلمات والدته،
وأنها عرفت أنه،
طيّب وخجول،
شجاع وكريم،
أنه يملك جميع الصفات التي أحبتها،
ضحك الشاب وقال،
"يالسذاجتك، ألم تعلمي ان الأمهات،
يبجّلن أبنائهن!!"،
لم تدري الفتاة ماتقول وخجلت،
ولكن الشاب لم ينتظر لها ردّاً،
وقال لها إن كنتّي تحبينني بجد،
فإنك ستحبيّن أسرتي،
وزايراتك الخفيفة ليست كالعيش معهم،
سعدت الفتاة،
وصرخت،
"أتعني أنك ستتزوجني!!"،
ضحك الشاب أكثر من قبل،
"ما أغربك، وما أجملك،
ويالكرم راحة يدك،
سأتزوجك والحق يقال،
انا كنت أيضاً واقعاً بحبّك في سرّي،
لكن خجلي وحالتي لم تسمح لي،
برفاهية كرفاهبة الحب أن تشغلني."
فطارت الفتاة فرحاً بما سمعت،
وأحتضنته،
قبّل جبينها، وذهب وأتى الغد،
لتأتي عاصفة هائجة،
وتدّمر ما أستطاعت له سبيلاً من المدينة،
وعندما هدأت العاصفة،
ذهبت الفتاة مسرعة لبيته،
حبيبها "زوجها" وعشيقها،
لتجد الكوخ الصغير،
قد أصبح أنقاضاً،
ومات كلّ من فيه،
ويومها صرخت الفتاة،
"لااا لاترحل وتتركني"
ومنذ يومها وهي تقول،
"رحل ، رحل وتركني لوحدي"،
ووضعوها ذويها في هذا المشفى.
قالت الدمعه وهي تسقط على لهب الشمعة،
"هذه قصّتها فما رأيك"
أجابت الشمعه وضوئها يكاد يجف،
"آه ياعزيزتي، منذ اليوم لن ألومك على بكائك،
منذ اليوم أبكي حتى لايبقى بكِ دمع،
منذ اليوم سأبكي أنا معكِ بشمعي".
ذابت الشمعة ،
وآخر نور لها،
والعجوز تحاول أن تطفئها.
يسقط ظل العجوز،
ظلٌّ لفتاة شابّة،
أطفأت الشمعة،
ومسحت دموعها،
وذهبت لفراشها وهي تقول،
"رحل، رحل وتركني لوحدني،
وها انا آتيه لك ياعزيزي"
فأغمضت عيناها،
ولم تسقط منهما دمعة أخرى،
منذ تلك الليلة...
فيصل...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق