الجمعة، 22 فبراير 2013

المرض والأمل...

المرض والأمل... "١٨"
قصّة قصيرة بقلمي...

الحكاية تبتدئ بغرفة مستشفى،
أحد المرضى يستيقظ من النوّم،
يخرج مذكّراته من تحت الوسادة،
ويشعل الضوء الخافت خلف سريرة،
ويفتح الأوراق حتى آخر صفحة كتبها،
ويضع القلم على الورقة ويكتب.

هذا أنا أستيقظ من نومي،
لأكتب عمّا بداخلي،
كتبت في الصفحات الماضية،
معاناتي مع هذا المرض،
اللذي فتك بجسدي كيفما شاء،
كلّ يوم في السنوات الماضية،
كنت أدّعي القوّة،
أمام أهلي وأصدقائي،
ولكن مع الوقت أصبحت متوتّر الأعصاب،
فعندما يأتون لي ليحدّثوني عن حياتهم،
بعضهم يشكي،
وبعضهم يتحدّث عن حياته السعيدة،
والبعض يخبر عن بطولات صعبة التصديق،
فأنفعلت بهم حتى بدأت أغضب منهم،
لأن كان الحسد يلتهمني من الدّاخل،
لماذا انا الوحيد اللذي صادقت الفراش،
لماذا أنا وحدي من عاش ولم يعش،
وكنت بعد كل لحظة غضب،
يأتي الليل وأصحو لأبكي،
وأبكي حتى أفقد وعيي،
ولكن في ليلة شعر بي أحد المرضى،
المجاورين لي وكان شيخ كبير بالعمر،
قال لي إن من الخطأ ماتقوم به،
فنحن في أمس الحاجة للصحبة بهذا الوقت،
فالوحدة تكون أشد قسوة عندما نكون ضعافاً،
فصرخت به ألا ليس له شأنٌ بما أفعل،
فقال بصوته الهادئ العميق،
نعم يابني ليس لي شأن،
ولكن أعلم ماتمرُّ به،
وذهب لغرفته وهو يقول لي الوداع،
وأتى الصباح وإذا بأحد الممرّضين،
يحضر لي هذه المذكّرات وقلم أنيق جداً،
حفر عليه حرفان بآخره وأخبرني الممّرض،
أن هذه تركت لأجلي من قبل فلان،
وأوضح لي أنه الشيخ اللذي رأيته بالأمس،
كان قد فارق الحياة هذا الصباح،
صعقت لهذا الخبر،
رأيت على المذكرّات كما ستجدون،
وصيّته بأن يترك لي هذه المذكّرات،
فتحتها ووجدت بداخلها كلمات مكتوبه،
الأصح كلام مكتوب،
مذكّرات العجوز،
قرأتها وبدأت أبكي لما أقرأ،
فقد كان العجوز شاباً ثرياً في الماضي،
أصابه المرض،
وبدأ في قلبه الشك والكره تجاه من حوله،
حتى قال لهم،
أنتم لاتريدوني ولكن تريدون مالي،
ومع أعصابه المتزعزعة بسبب المرض،
وكلّ شيء آخر بدأ الناس من حوله يرحلون،
ولم تغنيه أمواله عن شيء،
جلس في المشفى سنين طوال،
متلبّس به الخوف واليأس والوحده،
وعندما فقد كل أمل بالشفاء،
تحسّر أنه بقي وحيداً،
وكل ذلك كان في قلبي له تأثيراً كبيراً،
حتى أنني بدأت في كل ليلة أريد البكاء بها،
أستغني عن دموعي بالحبر،
وأكتب حتى أشعر بالراحة،
تحسنّت حالتي النفسية،
رغم مرضي إلا إنني غدوت أضحك،
وأمزح مع المرضى والأطبّاء،
وأصحابي بدؤا بزيارتي بشكل يومي،
لم يعد يهمّني مايفعلون،
بل بدأت أعشق حديثهم،
ووجودهم حولي،
ولاحظت بحالتي تتحسّن رغم المرض،
وأنا في كلّ ليلة أقرئ كلام العجوز،
وأزيد بكلامي،
والآن أشعر بالنعاس لذا سأنام.

نام المريض وكأنه يشعر،
بروح العجوز تبتسم له،
وبعد مضي الأعوام،
في غرفة أحد البيوت الفخمة،
يفيق رجل من نومه،
وهو يبتعد عن سريره،
تقول له زوجته،
"كعادتك ياعزيزي"،
يجيبها،
"نعم إطمأني"،
فيذهب لغرفة الجلوس،
ويجلس ويضع أمامه مذكرّات،
كتب على صفحتها الأولى،
*هذه المذكّرات،
هديّة للمريض في الغرفة ٣،
علّها تكون لك بصيص أمل في حياتك،
وأتمنّى لك الشفاء والسعادة.
مع حبّي..
مريض غرفة ٧"،
قبّل الكلمات،
وفتح الصفحات حتى وصل لصفحة فارغة،
وكتب عليها،
"لايوجد جديد،
فقط إنني كل ليلة أتعرّف أكثر،
على قيمة الأمل."


ختام:
الحياة مليئة بالحزن،
مليئة بالمآسي والألام،
فلاتجعلها تزداد سوءً،
بعصيانك وجحودك،
ولكن تعلّق بالأمل،
وأرضى بما قسمه الله لك،
فلا تعلم ربّما،
كانت هذه المصيبة نعمة عليك.


فيصل...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق